تأثير التغير المناخي على انحسار المياه في العراق

على الرغم من ان العراق يضم نهرين كفيلين بتوفير المياه لجميع سكانه، إلا أنه على مدى أعوام طويلة يعاني وخاصةً في فترة الصيف من قلة المياه وانقطاعها المترتب عليها هجرة العديد من السكان وترك أراضيهم.

يعدّ العراق من الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية، في ظل ارتفاع نسبة الجفاف ودرجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين درجة مئوية في فصل الصيف.

حيث وِجِدَ العراق تاريخياً بفضل نهري دجلة والفرات اللَّذين تقع عَليهما وعلى شبكة القنوات والروافد والانهر الصغيرة المتفرعة منهما غالبية مدنه، وحيث يعيش نحو ثلث سكانه في الأرياف، فيما يتكدس الثلثين في المدن.
ويضع مؤشر الاجهاد المائي العراق عند مستويات النُدرة الخطيرة بـ(3,7) نقطة من اجمالي نقاط المؤشر البالغة خمس نقاط. بينما في 2040، فأن المستوى سيصل الى (4,6) ما يعني جفافاً تاماً وشمساً مُحرقةً وبيئةٍ سامة.

قلت تدفقات المياه من دول الجوار الى العراق على نحو متسارع ما بعد2003 ، فتقلصت المساحات الخضراء وتوسعت الاراضي المتصحرة فازدادت العواصف الغبارية في عموم البلاد، وباتت تمتد الى 220يوماً في السنة، حيث قُدّرت معدلات تركيز الغبار المتساقط بنحو 80ملم/ م2/شهر، بينما معدل تساقط الامطار صار اقل بكثير من الغبار.

كما واكدت وزارة البيئة العراقية أن البلاد تقع في قلب التأثيرات الحاصلة بسبب (الزيادة المفرطة بدرجات الحرارة، قلة الامطار، نقص المياه السطحية والجوفية، الجفاف، اشتداد حِدة العواصف الترابية، التصحر، تعرية التربة، فقدان التنوع البيئي)، وهذا كله يعني تراجعاً بالمساحات الزراعية وتحطماً لسلاسل الامن الغذائي، وما سيرافق ذلك من انشطة بشرية ضارة بهدف التقليل من آثار الانقلاب المناخي.

وفي تشرين الثاني الماضي، حذّر البنك الدولي من انخفاض بنسبة 20% في الموارد المائية للعراق بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي.

يستهلك العراق ما يفوق 63٪ من موارده المائية على الزراعة دون ان يسد حاجته المحلية من المحاصيل، وغالباً يعتمد على الاستيراد من الخارج. ما يعني ان ثمة هدر مائي لا تقابله وفرة انتاجية.

وزيادة على الهدر الزراعي، يخسر العراق سنوياً نتيجة التبخر لارتفاع درجات الحرارة نحو 14,7٪ من مخزونه المائي، وهو معدل مرتفع جداً قياساً الى معدلات الاستهلاك الأخرى. فبحيرة الثرثار وهي الخزان المائي الطبيعي الأعظم في العراق تهدر تبخراً أكثر من 50% من مياهها المخزّنة، اما منطقة الاهوار وهي أكبر مسطحات مائية طبيعية واراضي رطبة تراثية في الشرق الأوسط، يهدر منها التبخر نحو 75 متر مكعب بالثانية يومياً وفقاً للإدارة المحلية لقضاء سوق الشيوخ (جنوب الناصرية) التي احتسبت ضياع 4,5 مليار متر مكعب من المياه جرّاء التبخر وارتفاع الحرارة في صيف 2017 فقط. وكأن العراق مرجل حراري غاضب يغلي بما يفوق نصف درجة الغليان.

فالارتفاع المُستمر لدرجات الحرارة في العراق نتيجة المُتغيرات المُناخية العالمية وانعدام الغطاء الاخضر محلياً ، تسهم بنحو فعّال بندرة الموارد المائية. ومن الملاحظ ان ارتفاع درجة حرارة العراق خلال السنوات المقبلة سيكون بمعدل درجتين مئويتين، اي اعلى من معدل ارتفاع درجة حرارة الكرة الارضية المقدر بـ 1,5 درجة، وفقاً للتقرير المرعب الذي اصدرته (IPCC).

من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، علي راضي، إن الوزارة حذرت في دراستها الاستراتيجية للأعوام 2041-2035 من خسارة العراق لأكثر من 11 مليار متر مكعب من مجموع الإيرادات التي تصل للبلاد.

وأضاف أن عام 2019 شهد سنة فيضانية رطبة وبلغ معدل الإيرادات 140% من المعدل المتوقع، مبيناً أن هذه الإيرادات المائية أدت في حينها إلى ارتفاع منسوب الخزين بشكل كبير جداً، ما أدى إلى تلافي الشح المائي في السنوات الحالية.

وأوضح راضي أن هناك عوامل أخرى تسببت في انخفاض إيرادات المياه، منها التوسع السكاني الكبير على الأنهار بخاصة لدول المنبع، بالإضافة إلى التوسع في إنشاء السدود الخزنية الكبيرة ومشاريع الري واستغلال الأراضي، مؤكداً أنها أدت إلى زيادة استهلاك المياه وبنسب كبيرة ما أثر في نوعية المياه الواردة إلى العراق.

وأوضح (وائل عبد اللطيف) النائب السابق عن محافظة البصرة، أن أزمة المياه في العراق هي أزمة دولية وتحتاج إلى مفاوض واثق من نفسه، مشيراً إلى أن بقاء الأوضاع على حالها من دون إيجاد حلول لحقوق العراق المائية سيعني تحول نهري دجلة والفرات إلى أنهر صغيرة وإلغاء مفهوم بلاد وادي الرافدين.

وتابع عبد اللطيف إن حل أزمة المياه يكمن في إنشاء محطات تحلية المياه التي لا يصلها سوى المياه المالحة والملوثة.

وقال إن "محاصيل الحنطة والشعير تلفت لعدم وجود المياه، لكون المياه المتوفرة هي مياه عالية الملوحة"، لافتاً إلى أن البصرة أكثر المحافظات تضرراً باعتبارها آخر محافظة تصلها المياه، وما يصلها فقط مياه الصرف الصحي والمياه الملوثة بمخلفات المصانع والمستشفيات.

بدوره قال المتخصص الدولي بالأمن الغذائي (فاضل الزعبي) "إنه من الضروري لجوء العراق إلى مياه التحلية لمناطق الجنوب لأغراض الزراعة والشرب، والاعتماد على البذور التي تقاوم الملوحة العالية."

وأضاف الزعبي الذي كان يشغل منصب ممثل لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في العراق (الفاو) أن "دور العراق يعتمد على المياه العابرة للحدود، والدول التي فيها الأنهار سينخفض منسوب المياه فيها"، مبيناً أن هذه الدول بسبب هذا الانخفاض لا تعطي الحصة الكاملة بالتزامن مع شحة الأمطار مما سيؤثر في الخزين المائي والمياه الجوفية.

وأشار إلى أن أهم تلك الحلول تتمثل في مياه التحلية، التي لو بدأ العراق بإنشاء تلك المحطات قبل 15 سنة لكانت أرخص بكثير، لافتاً إلى أن هذه الحلول طرحت على الحكومة العراقية منذ عام 2007.

وتابع الزعبي أن بالإمكان تزويد المناطق الجنوبية بمياه التحلية من مياه الخليح وكذلك المناطق الشمالية والوسطى تعتمد على مياه الأنهار، مؤكداً أن المياه المحلاة ممكن أن تُحلى بدرجات مختلفة تكون إحداها للشرب وأخرى للزراعة.

وأوضح أن بالإمكان استغلال ارتفاع أسعار النفط من أجل البدء بهذه المشاريع، لا سيما وأن العراق بلد طاقة وليس له مشكلة في توفير الطاقة لتلك المحطات.

كما عملت وزارة الموارد المائية، عدة إجراءات لمعالجة الشحة المائية في عموم البلاد وتهيب بالمواطنين التعاون مع ملاكاتها. 

وتأتي هذه الإجراءات بعد انحسار الأمطار لثلاثة مواسم على التوالي، وتأثيرات التغييرات المناخية على العالم والمنطقة، وارتفاع معدل درجات الحرارة وانخفاض معدلات كميات الأمطار الساقطة مع ما رافقها من إجراءات دول أعالي المنبع في تقليص أو قطع بعض الأنهر مما سبب نقصا حادا بالإيرادات المائية وحجم الخزين المائي للبلد.

وذكر (يعقوب يوسف جبر) في مقالة له لوكالة الأنباء العراقية يمكن إنشاء بحيرات صناعية كبرى تتوزع بين الأراضي الصحراوية يتم ملئها بقنوات تمتد من الخليج العربي وزراعتها واروائها من المياه الجوفية، أيضا إعادة تأهيل القرى المهجورة واستحداث قرى جديدة في الصحراء، حيث ستعمل البحيرات الكبرى على ترطيب الطقس مما سيؤدي إلى حدوث المنخفضات الجوية التي ستساهم في هطول الأمطار.