الاحتباس الحراري.. ما أسبابه، وكيف يؤثر على تغير المناخ؟
الاحتباس الحراري.. ما أسبابه، وكيف يؤثر على تغير المناخ؟
قبل الحديث عن الاحتباس الحراري لابد من معرفة ماذا يقصد بتغير المناخ الذي يُعرف بأنه التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس.
قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال من خلال التغيرات في الدورة الشمسية، ولكن منذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.
ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاث غازات منها ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وبعض الغازات الأخرى في الجو التي تُسمى بـ "الغازات الدفيئة" لأنها تساهم في تدفئة جو الأرض السطحي حيث تعمل كغطاء يلتف حول الكرة الأرضية مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة، وعليه تعرف ظاهرة الاحتباس الحراري او الاحترار العالمي (بالإنجيزيّة: Global Warming) أو ظاهرة الدفيئة (بالإنجليزية: Greenhouse) على أنّها ارتفاع في معدّل درجة حرارة الهواء الجوّي الموجود في الطبقة السفلى من سطح الأرض.
لوحظت الزيادة في متوسط درجة حرارة المناخ منذ منتصف القرن العشرين مع استمرارها المتصاعد حيث زادت درجة حرارة سطح الكرة الأرضية بمقدار 1.2°م منذ بداية القرن الماضي، وقد أقرت اللجنة الدولية أن الغازات الدفيئة الناتجة عن الممارسات البشرية مثل استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني و مدافن القمامة التي تعد مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غاز الميثان، وأيضا تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات الذي يساهم بزيادة إطلاق ثاني أكسيد الكربون وغير ذلك هي المسؤولة عن معظم ارتفاع درجات الحرارة المُسجل منذ منتصف القرن العشرين في حين أن الظواهر الطبيعية مثل ضوء الشمس والبراكين لها تأثير صغير في الاحتباس الحراري والتبريد منذ ما قبل الثورة الصناعية حتى عام 1950.
أسباب الاحتباس الحراري:
الاحتباس الحراري عملية طبيعية تساعد في الحفاظ على درجات حرارة مناسبة للحياة وبدونها يمكن أن تتحول الأرض إلى كوكبٍ متجمد وغير صالح للسكن، لكن زيادة تركيز الغازات الدفيئة نتيجة لعدة عوامل قد ضاعفت من تأثير الاحتباس الحراري الطبيعي بشكل كبير مما تسبب في الاحتباس الحراري الضار، وتقسم اسباب الاحتباس الحراري إلى:
1- العوامل البشرية
تُساهم الأنشطة البشريّة في تغيير المناخ بشكلٍ واضحٍ من خلال استخدام الإنسان للوقود الأحفوري بأشكاله المختلفة في أنشطته، إذ إنّ احتراق الوقود الأحفوري يؤدي إلى انبعاث الغازات الدفيئة كغاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، ممّا يؤدي إلى إحداث تغيير في الغلاف الجويّ مثل كميّة الهباء الجوي "جزيئات عالقة في الهواء" والغيوم. تؤثر كل من الغازات الدفيئة والهباء الجوي في اختلال توازن طاقة الأرض من خلال تأثيرها على التغيّر في نسبة الإشعاع الشمسي والأشعة تحت الحمراء الداخلة للغلاف الجوي والخارجة منه، واختلاف خصائص الغازات والجزيئات، ممّا يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض ومن المصادر الرئيسية للغازات الدفيئة بسبب النشاط البشري هي:
- زيادة تركيز نسبة ثاني أكسيد الكربون بسبب:
1- حرق الوقود الأحفوري كالفحم والنفط والغاز الطبيعي، حيث تُستخدم هذه الأنواع من الوقود على نطاق واسع في توليد الكهرباء والنقل والصناعة.
2- إزالة الغابات للزراعة والتوسع العمراني، فالأشجار تمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء لصنع الغذاء بواسطة عملية التمثيل الضوئي فعندما يتم قطع الأشجار أو حرقها فإن الكثير من الكربون الذي خزنته يتم إطلاقه مرة أخرى في الهواء على شكل ثاني أكسيد الكربون.
- ارتفاع تركيز الميثان في الجو بسبب العديد من العوامل ومنها:
1- التخمُّر المعوي للدواب.
2- طرق إدارة السماد.
3- زراعة حقول الأرز.
4- التغيّر في طرق استخدام الأراضي والتغيّر في رطوبة الأرض.
5- تأثيرات خطوط الأنابيب.
6- سوء التهوية في مكبّات النفايات.
- ارتفاع تركيز أكسيد النيتروس "أكسيد النيتروجين الثنائي" بسبب الأنشطة الزراعيّة المختلفة بما فيها استخدام الأسمدة واستخدام مركبات الكلورو فلورو كربون (CFCs) في العديد من المجالات، منها:
1- أنظمة إخماد الحريق.
2- عمليّات التصنيع.
3- استخدامها بالإضافة مع الهالونات في أنظمة التبريد.
2- العوامل الطبيعية
تعتبر ظاهرة الاحتباس الحراري ظاهرة معقدة؛ فهي ناتجة عن التفاعل بين الأسباب البشريّة مع مجموعةٍ من العوامل الطبيعيّة، ويعد الارتفاع في متوسط درجة الحرارة في الوقت الحاضر ناتجاً عن التفاعل بينهما، ومن العوامل الطبيعية ما يأتي:
- البراكين
تعتبر البراكين أحد العوامل التي تُساهم في تشكيل ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث إنّ حدوث ثوران البراكين على مدى ملايين السنين أدّى إلى انبعاث كميّاتٍ كبيرةٍ من الغازات الدفيئة في الجو، كبخار الماء وثاني أكسيد الكربون، وجدير بالذكر أنّ الثوران البركانيّ الواحد ليس له تأثير على ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن تلك التأثيرات ناتجة عن حدوث العديد من البراكين خلال تاريخ الأرض، فعند دراسة تأثير جميع تلك البراكين منذ تكوّن الأرض يتبيّن أثر البراكين في زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو، بالتالي تأثيره في ظاهرة الاحتباس الحراري.
النشاط الشمسي
تؤثر التغيُّرات الحاصلة في النشاط الشمسي والأنشطة المرتبطة بها مثل التوهجات والبقع الشمسيّة في تغير درجة الحرارة العالميّة، ومثال ذلك، تميّز القرن السابع عشر بفترةٍ مناخيّةٍ تسمى العصر الجليديّ الصغير، والذي تمّ تفسير تشكّله في ذلك الوقت بأنّ نشاط الشمس القليل، وأشعتها خافتة، إذ كانت متوسط درجة الحرارة العالميّة أقل بنحو درجة مئويةٍ واحدة مما هو عليه الآن، ولاحظ العلماء وجود عدد من التغيّرات الشمسيّة والتي تؤثر في الاحتباس الحراري وهي كالآتي:
1- تغيير دوريٍ في النشاط الشمسي مثل التغيُّر في دورة البقع الشمسيّة والتي تمتد إلى 11 عاماً.
2- تغيُّر النشاط المغناطيسي داخل الشمس والذي يؤثر على النشاط الشمسي، بسبب دوره الرئيسي في تشتيت الأشعة الكونيّة المكوّنة من جسيمات مشحونةٍ في الأرض، وقد ينهار المجال المغناطيسي عندما تصبح أشعة الشمس خافتة ممّا يعمل على اختراق الأشعة الكونيّة للنظام الشمسي بصورةٍ أعمق، عندها يتم دخول أعدادٍ أكبر من تلك الأشعة الكونيّة واختراق الغلاف الجوي للأرض. ثمّ تتأين الجسيمات المشحونة للأشعة الكونيّة على شكل جزيئاتٍ صغيرة من الندى والتي تبدأ في التجمُّع معاّ لتشكيل قطرات ماء والتي بدورها تعمل على تشكيل السحب، وفي حال تكوُّن سحب منخفضةٍ بسماكةٍ عاليةٍ فإنّها تعمل على عكس طاقة الشمس إلى الفضاء، لذا فإنّ تكرار تكوين غطاءٍ سحابيٍّ بتلك الطريقة سيؤدي مع مرور الوقت إلى تغيّر في متوسط درجة الحرارة العالميّة.
- التغيرات في الأطوال الموجيّة كالأطوال الموجيّة المرئيّة والموجات فوق البنفسجية.
ذوبان الجليد السرمدي يساهم ذوبان الجليد في كل من القطبين الشمالي والجنوبي وعلى نطاقٍ واسعٍ في ظاهرة الاحتباس الحراري بسبب وجود كميّاتٍ كبيرةٍ من الكربون المخزَّن في الجليد، وبعد ذوبان ذلك الجليد بفعل العديد من العوامل كحرائق الغابات والانفجارات البركانيّة والنشاط الشمسي يتم إطلاق الغازات بشكلٍ واسعٍ، وعند انبعاث الكربون بشكلٍ مفاجئٍ سيؤدي إلى إحداث خلل في العمليات الطبيعيّة المختلفة مثل دورة الكربون، إذ إنّ مصدر الكربون المخزّن في الجليد يكون من خارج الغلاف الجوي منذ آلاف السنين. - حرائق الغابات: تؤثر حرائق الغابات في متوسط درجة الحرارة العالميّة، خاصةً التي تحدث على نطاقٍ واسعٍ وعلى مدى فتراتٍ طويلةٍ، إذ إنّ احتراق النباتات يؤدي إلى انبعاث الكربون المخزَّن في النباتات، وبالتالي زيادة نسبة الغازات الدفيئة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وهذه الغازات بالإضافة للإشعاع الشمسي لها دور كبير في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي وتلويث الهواء.
آثار الاحتباس الحراري
- التغير في درجة الحرارة.
- تغيُّر أنماط هطول الأمطار.
- ذوبان الثلوج والجليد وارتفاع مستوى البحر.
- زيادة حموضة المحيطات
- الأعاصير المدارية.
- التأثير على التيّارات المحيطيّة
- التأثير على النُظم البيئية وعلى التنوع الحيوي للنباتات والحيوانات والتغيّر في نظام الحياة البيولوجي.
- تأثيرات على صحة الانسان أبرزها:
- تفشّي الالتهابات الضارّة.
- تدنّي قدرة الأجسام على مقاومة الفيروسات والالتهابات المعدية.
- انتشار مرض حصى الكلى الناتج عن الجفاف.
- تأثيرات أخرى لا سيما في مجالات الزراعة وإمدادات المياه والبنية التحتية.
حلول أزمة الاحتباس الحراري:
يمكن الحد والتقليل من الاحتباس الحراري بواسطة عدة ممارسات منها على المستوى الحكومي متمثلة بـ:
- سن القوانين ووضع اللوائح الفعاّلة في هذا المجال كفرض ضريبة على المصانع والتوجيه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
- التوجه نحو استثمار مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية التي تساهم في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري.
- الحفاظ على الغابات وتجنُّب إزالتها و الحد من تدهورها.
تحسين قطاع وسائل النقل من خلال الانتقال إلى الوقود منخفض الكربون وتوفي أنظمة النقل الجماعي الأكثر كفاءة والتشجيع على استخدامها، والعمل على إنتاج جيل ذكي من السيارات يساعد على التقليل من انبعاث الغازات. - التخلُّص بشكلٍ تدريجيٍّ من الكهرباء المُنتَجة من الوقود الأحفوري من خلال إيقاف مصانع الفحم ويتم البدء بالمصانع الأقدم والأكثر تلويثاً ومنع إنشاء محطات توليد الطاقة التي تعتمد على حرق الفحم وتطبيق التكنولوجيا المتقدمة في التقاط انبعاثات الكربون من محطات الطاقة وتخزينها في الأرض.
- ضمان التنمية المستدامة
أما على المستوى الفردي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري يجب:
- إعادة التدوير والتقليل من استخدام مكيفات الهواء.
- استخدام المصابيح والأجهزة الموفرة للطاقة واستخدام كميات أقل من الماء الساخن، وإطفاء الأجهزة غير المستخدمة.
- التقليل من استخدام المَركبات.
- زراعة الأشجار لزيادة الغطاء النباتي.
- الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.