الحد من انتشار السلاح خارج إطار الدولة

أن انتشار السلاح خارج إطار الدولة ليس بالظاهرة الحديثة بل هي قديمة وذات عمق تاريخي وهي ترتبط بالمجتمعات خصوصاَ التي تعاني من عدة مشاكل داخلية أبرزها عدم الاستقرار في مؤسساتها وتضاؤل قدرتها على بسط الأمن مما أدى الى تنامي القناعة باللجوء إلى الجهود الفردية أو الجماعية سواء المنظمة أو غير المنظمة لغرض التأمين على حياة ومصالح الأفراد والجماعات.
وبين فترةً وأخرى يشهد العراق أحداثاً ساخنة تتعدد أشكالها وأسبابها إلا أن المشترك بينها هو السلاح المنفلت خارج إطار الدولة وسيطرتها رغم المطالبات الكثيرة من قبل الشخصيات السياسية والدينية بالسيطرة عليه وحصره بيد الدولة.

ولعل الأحداث الأخيرة التي شهدها العراق خلال شهر آب الماضي وما حصل داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد والتي تعتبر مقراً لعدة مؤسسات حكومية ودولية من اشتباكات وأعمال عنف بين عدة جماعات أدت لسقوط العديد من الشهداء والجرحى نتيجةً لذلك، هو خير وأحدث برهان لأزمة السلاح ومخاوفه.

الأمر الذي جعل رئيس مجلس الوزراء (مصطفى الكاظمي) يعلن عن تشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين.

مبيناً أنه "منذ أكثر من عامين ونحن نتبنى سياسة حصر السلاح بيد الدولة رغم كل الاتهامات والطعون والصواريخ التي وجهت إلينا"، متحدثاً عن أزمة يشهدها العراق بسبب "السلاح المنفلت"، وغير ذلك من الأمثلة الكثير.

ومن أسباب انتشار السلاح
الموروث التاريخي والثقافي الذي انتقل عبر الأجيال والذي رسخ في ذهنية بعض المجتمعات أن اقتناء السلاح غير المرخص مرتبط بأمن وكرامة وهيبة الأفراد، وسهولة الحصول على السلاح واقتناءه بسبب شيوع التجارة به، ووجود جماعات سياسية مسلحة تمتلك سلطة توازي سلطة الدولة وهنا تبرز اشكالية كبيرة تتمثل ان هذه الجماعات تمتلك من القوة والهيمنة ما يمنع مؤسسات الدولة الامنية من مواجهتها ونزع سلاحها، وقيام بعض الدول المجاورة او حتى غير المجاورة ممن تتبنى غايات سياسية بتسهيل دخول السلاح غير المرخص الى الدولة.

وبالحديث عن تأثير انتشار السلاح غير المرخص، خلص تحليل أجراه معهد واشنطن للدراسات إلى أن "النظام السياسي في العراق يتجه نحو الانهيار" نتيجة انتشار السلاح المنفلت بشكل غير مسبوق.

ورأى التحليل الذي كتبه رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين، أن "العراق بات يمر بأزمة حقيقية بعد أن وصل الانتشار غير المسبوق للأسلحة الخارجة عن السيطرة إلى مستويات مخيفة".
ويبرز السلاح المنتشر لدى المجتمعات كأحد أهم أسباب تداعي الوضع الأمني داخل البلاد، إذ ما انفكت هذه الأسلحة تستخدم في النزاعات العشائرية وما يعرف محليًا بـ"الدكات العشائرية" التي تسببت في مئات الأحداث الدامية طيلة السنوات الماضية.

كما أن خطر السلاح المنتشر بين شرائح المجتمع وتحت أي عنوان تشكل خطرا جسيما على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، ولن تتمكن المجتمعات من التعافي مالم تتم السيطرة على هذا السلاح.

وتستخدم بعض الأحزاب والجماعات المسلحة نفوذها السياسي للاحتفاظ بمواقعها هذه التي تسمح لها بتكديس الأموال، ولا تتوانى عن التهديد باستخدام العنف.

ويؤدي التوافر الجاهز للأسلحة والذخيرة إلى معاناة إنسانية وقمع سياسي وجريمة وإرهاب بين السكان المدنيين كما يمكن أن يؤدي نقل الأسلحة غير المشروع إلى زعزعة استقرار عدة مناطق بأكملها، وتمكين انتهاكات حظر الأسلحة، والمساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان التي تعاني من الصراع ومستويات عالية من العنف. تواجه الدول المتأثرة بالنزاع أو الجريمة المتفشية أكبر صعوبة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

يشترك الناس ويتأثرون بشكل مختلف بالأسلحة والنزاعات المسلحة والقضايا المتعلقة بالأسلحة والأمن على أساس جنسهم وعوامل أخرى. تصبح عمليات وسياسات نزع السلاح وتحديد الأسلحة أكثر فعالية عندما تؤخذ الحقائق التي تواجه النساء والرجال والفتيات والفتيان في الاعتبار.

تعترف الأطر الدولية المتعددة وقرارات الأمم المتحدة بالأبعاد الجنسانية لنزع السلاح وتحديد الأسلحة. على سبيل المثال، وفقًا لمعاهدة تجارة الأسلحة، يتعين على الدول الأطراف قانونًا تقييم كيفية استخدام تصدير الأسلحة التقليدية والذخيرة لارتكاب أعمال عنف على أساس الجنس.

ويقول رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام نجم القصاب إن "العراق لا يزال يمتلك قوى عسكرية وأمنية جيدة، بالاضافة إلى أن كثيرا من المواطنين يؤيدون دولة المؤسسات، وهذه عوامل من شأنها أن تقلل من خطر الانهيار".

ولعلاج هذه الظاهرة نحتاج الى ثقافة مجتمعية تشجع على نبذ العنف والنزاعات وهذا يحتاج الى تربية وتعليم وبرنامج توعوي وتربوي وتنشئة الأطفال على نبذ العنف وتوعيتهم بالنتائج الضخمة التي يتسبب بها العنف، كما ونحتاج الى مؤسسات لحل النزاعات العشائرية والمجتمعية والاسرية والفئوية وعدم الاعتماد على الدولة فقط بالإضافة الى حاجتنا الى حركة اجتماعية عامة تقوم على ايجاد مؤسسات تحقق السلم الاجتماعي من خلال حل النزاعات والصراعات وانهائها بشكل سلمي".

كما ان من اهم السبل التي من الممكن ان تعتمد عليها الحكومة للحد من استخدام الاسلحة الغير مرخصة هو تجاوز حالة الضعف في بعض المؤسسات الامنية  لدى بعض من منتسبيها ليشعر المواطنين جميعا بان مؤسسات الدولة قادرة على حمايتهم من اي تهديد.

 ومنع انتشار السلاح يمكن في تطبيق القانون على الجميع والاحتكام إلى المؤسسات الرسمية على مختلف الصعد الأمنية والسياسية وفرض عقوبات صارمة في قانون الأحزاب السياسية على الأفراد والجماعات التي تحتكم الى العنف وقوة السلاح إذ بالنتيجة "الديمقراطية والسلاح لا يجتمعان".

أما من الناحية القانونية هنالك العديد من النصوص القانونية التي تنظم مسألة السلاح وتنظم عمل القوات المسلحة من حيث خدمتها او تقاعدها والنصوص التي تحكمها وعلى سبيل المثال (قانون الخدمة والتقاعد العسكري وقانون الخدمة والتقاعد لقوى الامن الداخلي) الذي نظم كيفية الانتماء للقوات المسلحة ونظم اصنافها وبين أحكام منح رتبها.

بالإضافة لوجود قانون مهم في العراق وهو (قانون الأسلحة في العراق) الذي نظم الأسلحة وصنفها الى صنفين:

1- أسلحة عسكرية او حربية وهي السلاح الثقيل ومسموح باقتنائه للقوات المسلحة وقوى الامن الداخلي فقط.

2- أسلحة نارية وهي الأسلحة الخفيفة التي ممكن ان يقتنيها الافراد لكن بشرط واحد وهو الاجازة والمخول الوحيد لمنح هذه الاجازة هو وزير الداخلية وفق ضوابط وشروط معينة.

و الجنحة الاكثر انتشاراً والتي لا يكاد يخلو بيت في الوقت الحاضر منها هي حيازة الاسلحة الخفيفة كالمسدسات بمختلف انواعها والبنادق الالية وبنادق الصيد التي يعتقد الكثير من الناس ان حيازتها لا يحتاج موافقات رسمية الا ان الواقع بان القانون يحاسب على استعمالها وحملها وحيازتها مع الانواع المشار اليها انفاً بدون رخصة من الجهات المختصة بالحبس البسيط لمدة لا تزيد عن سنة او بغرامة لا تقل عن خمسمائة الف دينار ولا تزيد عن مليون دينار استناداً لاحكام الفقرة ثالثاً من المادة 24 من قانون الاسلحة رقم 51 لسنة 2017 ،

كما يوجد نصوص تشريعية اخرى تحد من هذه الظاهرة فقد جاء في المادة 9/اولاً/ب من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 بحضر تكون المليشيات المسلحة خارج نطاق القوات المسلحة العراقية ، كما ان المادة 195 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل حددت عقوبة الاعدام او السجن المؤبد كل من يسهم في اثارة حرب اهلية او اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين او بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الاخر .