من الخفية إلى العلن.. الحقوق الرقمية للمرأة في العراق

سمحت منصات الإنترنت للنساء في العراق في السنوات الأخيرة بالتعبير عن آرائهن والمشاركة في الخطاب السياسي، ولكن في الوقت نفسه تم انتهاك حقوقهن الرقمية وتقليصها بطرق خطيرة.

تعد الحقوق الرقمية ضرورية للأفراد في العراق وحول العالم حيث تلعب التكنولوجيا والإنترنت دورًا مهمًا بشكل متزايد في حياتنا اليومية. ومع ذلك فهناك فجوة بين الجنسين بخصوص من يُمنَح هذه الحقوق، وتمييز النوع الاجتماعي في العراق يعني أن حقوق المرأة أقل من حقوق الرجل وأن الحقوق الرقمية ليست استثناءً كونها جزءًا من مجموع تلك الحقوق. 

تُعرّف الحقوق الرقمية كما ذكرتها (جمعية الاتصالات التقدمية) على أنها الحق في الوصول إلى المعلومات والحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية والحق في المشاركة في الاقتصاد الرقمي من بين أمور أخرى. وعلى الرغم من ذلك فإن الوصول إلى التكنولوجيا ومحو الأمية الرقمية هما شرطان أساسيان للممارسة الكاملة للحقوق الرقمية، لكن لسوء الحظ وعلى الصعيد العالمي فإن النساء يتمتعن بإمكانية وصول أقل إلى الإنترنت ومهارات رقمية أقل من الرجال.

ويؤثر هذا التفاوت في الوصول إلى الإنترنت على 52٪ من النساء على مستوى العالم مقارنة بـ 42٪ من الرجال، علاوة على ذلك فإن النساء أكثر عرضة لخطر مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت على شكل خطاب كراهية أو معلومات مضللة، فوفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة المواطن العالمي فإن ما يصل إلى 58٪ من النساء في 31 دولة مختلفة يتعرضون للتحرش عبر الإنترنت.

لا يزال الوصول إلى الإنترنت محدودًا في أماكن معينة في العراق ولا سيما في المناطق الريفية، كما أن التكلفة العالية للإنترنت تجعله أقل وصولًا إلى ذوي الدخل المنخفض. ووفقًا للبنك الدولي فإن 96 من أصل 100 امرأة عراقية تعتبر أمية رقميًا حيث يفتقرن إلى المهارات الأساسية لاستخدام أجهزة الكمبيوتر أو معدات تكنولوجيا المعلومات التي يمكن القول إنها مطلوبة في بعض المهام اليومية، ومع ذلك لا تتخلف النساء عن أقرانهن من الرجال في مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأساسية بين الطلاب والخريجين والموظفين.

وقد كان لغياب القوانين والسياسات الهادفة إلى حماية النساء إلى جانب المعايير الثقافية القمعية السائدة تأثير ضار على المرأة. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حالات العنف الأسري بما في ذلك مقتل امرأة مؤخرًا على يد عائلتها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي اضطرت لمحوها من على الانترنت لترضي أهلها. 

يفتقر العراق أيضًا إلى القوانين واللوائح المتعلقة بالجرائم الإلكترونية وحرية التعبير. بالإضافة الى ذلك فإن بعض القوانين العراقية مثل قانون العقوباتيميز ضد المرأة ولا يوفر لها الحماية الكافية. فعلى سبيل المثال قد يحصل الأشخاص المدانون بارتكاب "جرائم الشرف" ضد النساء على عقوبة مخففة بموجب المادة 409 من قانون العقوبات وبالتالي تكريس ثقافة لا تحاسب الجناة على أفعالهم.

على الرغم من هذه التحديات فقد استخدمت بعض النساء في العراق مهاراتهن الرقمية للمشاركة في الخطاب السياسي من أجل الحصول على المعلومات وإجراء النقاشات أو المشاركة بنشاط في العملية السياسية. ولكن الأمر انعكس على بعض النساء، حيث سجلت منظمة "التقنية من أجل السلام" أن النساء اللواتي عبرن عن آرائهن عبر الإنترنت قد واجهن قدرًا كبيرًا من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. وتراوحت تلك الحالات من التعليقات المعادية للنساء على ملفاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي بين القرصنة (التهكير) والمطاردة وأدت في بعض الحالات إلى الوفاة.

تم استهداف النساء من جميع أنحاء العراق ومن مختلف الطبقات الاجتماعية والمهن. حتى أُجبرت بعض النساء على تعليق أو إيقاف تواجدهن على وسائل التواصل الاجتماعي تمامًا.

مثال لامرأة متظاهرة تحمل لافتة تم التعديل عليها بالفوتوشوب تقول: "أنا متحررة. وثائرة من أجل انتشار التحرر للعراقيات." في تلميح أن المحتجين في العراق يحاولون ان يخالفوا قيم المجتمع.

كانت مضايقة النساء عبر الإنترنت واضحة خلال احتجاجات أكتوبر 2019 حيث لعبت النساء دورًا مهمًا سواء في الساحات أو عبر الإنترنت، وقد كان ذلك واضحًا مع مشاركة أعداد أكبر من "نساء تشرين" في الاحتجاجات. ولكن هذا أدى أيضًا إلى الكثير من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية ضد المتظاهرات ومعظمها كان قائماً على النوع الاجتماعي واستهدف بالتحديد حقيقة كونهن نساء.

فعلى سبيل المثال عندما تم تداول صور النساء عبر الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض العديد منهن للاعتداء في التعليقات وتم نعتهن بتعابير جنسية صريحة أو تم وصفهن بأنهن بعثيات وعميلات أجنبيات. وكمثال على ذلك عندما أشارت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن النساء يقضين الليل في ساحة التحرير عن طريق نشر صور معدلة بالفوتوشوب أجبر هذا العديد من النساء على التوقف عن الذهاب إلى الاحتجاجات والمشاركة في مثل هذه الأنشطة.

ويعتبر وفاة الدكتورة والناشطة ريهام يعقوب مثالاً بارزًا على المخاطر التي تواجهها النساء عند مشاركتهن في النشاط على الإنترنت. حيث قُتلت ريهام في عام 2020 بعد أن واجهت الكثير من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية. مثل هذه المعلومات المضللة أجبرت ريهام أن توقف نشاطها السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي ولم تعد منخرطة في حركات الاحتجاج، ولكن مع ذلك استمرت المعلومات المضللة بما في ذلك حول صلاتها المفترضة بعملاء أمريكيين مما أدى إلى اغتيالها.

ألهمت قضية وفاة ريهام ناشطات أخريات للفت الانتباه إلى المخاطر التي تواجهها المرأة والأسباب التي يجب المثابرة من أجلها. وكان الوسم (الهاشتاك) (#Reham_Yacoub #ريهام_يعقوب) رائجًا على وسائل التواصل الاجتماعي ولفتت القضية انتباه العالم.

منشور مفبرك يدعي أن ريهام يعقوب كانت تعمل مع القنصلية الأمريكية في البصرة للتحشيد للاحتجاجات

ولعبت النخبة السياسية في العراق والشخصيات الدينية دورًا في ذلك حيث حاول البعض تقييد حقوق المرأة بشكل عام بالإضافة إلى حقوقها على الإنترنت بشكل خاص، أصدر البعض بيانات رسمية في محاولة لتحشيد أتباعهم ضد مشاركة المرأة في ساحات الاحتجاج أو حتى عمليات صنع القرار. ولكن احتج المدافعون عن حقوق المرأة والناشطون على ذلك واستمروا في الكفاح ضد التمييز عبر الإنترنت وخارجه.

وعلاوة على ذلك فالأمر لا يتوقف عند استهداف الناشطات عبر الإنترنت ففي السنوات الأخيرة كانت هناك أيضًا حالات عديدة لخطاب الكراهية والأخبار الكاذبة عن المرشحات في الانتخابات بالإضافة الى السياسيات، الأمر الذي أضر بسمعتهن وأدى إلى إضعاف قاعدة جماهيرهن واصواتهن الانتخابية. كانت المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة التي انتشرت عنهن مرتبطة بالنوع الاجتماعي وساهمت في تعزيز الأعراف الأبوية حول العار والشرف ومكانة المرأة في المنزل.

يمكن حل بعض هذه المشاكل من خلال مراجعة قانون العقوبات العراقي القديم عن طريق إزالة المواد المتعلقة بجرائم الشرف على سبيل المثال. من المهم أن يشارك الخبراء والمجتمع المدني في صياغة تشريعات جديدة لضمان تصميمها بشكل صحيح قبل سنّها. هذا ينطبق بشكل خاص على القوانين التي تتعامل مع العنف المنزلي والأمن الرقمي وحرية التعبير. علاوة على ذلك يجب على المجتمع الدولي الاستمرار في الضغط على الحكومة لتشريع مثل هذه القوانين وزيادة الوعي بضرورة القيام بذلك.

يسلط هذا المقال الضوء على ضرورة حصول جميع العراقيين على الحقوق الرقمية للمشاركة بفعالية في مجتمعهم كمواطنين. ومن الأهمية الإقرار بأنه لا ينبغي إنكار الحقوق الرقمية على أساس النوع الاجتماعي لأن النساء يتأثرن بشكل مختلف عند افتقارهن إلى هذه الحقوق. على الرغم من الطرق التي سمحت بها التكنولوجيا والإنترنت للنساء بالتعبير عن آرائهن والمشاركة في المناقشات السياسية إلا أنهن يواجهن أيضًا العديد من التحديات والمخاطر مثل خطاب الكراهية والمعلومات المضللة والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى العمل التشريعي وزيادة الوعي بأهمية الحقوق الرقمية في العراق وخاصة بالنسبة للمرأة.