أسباب وأثار روائح الكبريت والغازات في هواء العاصمة بغداد

مُنذ أسابيع، تواجه العاصمة العراقية بغداد درجات عالية من التلوث الهوائي، بدأت تتزايد رائحة ناتجة عن روائح الكبريت، في الهواء ليلاً بشكل أكثر من النهار، كما أن أسباب انتشار الرائحة التي تعود إلى تراكمات التلوث على مدى سنوات، وليس فقط بسبب الظروف الحالية.

مُسببات تلوث الهواء في بغداد

بحسب وزارة البيئة أن تلوث الهواء يعود الى تغيرات في جودة الهواء المحيط، بسبب الاحتراق غير التام للوقود عالي المحتوى الكبريتي لعدد من الأنشطة وحرق النفايات في المطامر غير النظامية، هذه الحالة زادت مع بدء انخفاض درجات الحرارة وزيادة التفاوت بين درجات الحرارة في الليل والنهار، حيث تندفع غازات الاحتراق الى الأسفل بدلاً من ارتفاعها الى الأعلى وتخفيفها.

ووفقاً لما صرحت لجنة الصحة النيابية عن أسباب التلوث الهوائي هو انتشار الرائحة والغيوم السوداء في بغداد ناتج عن احتراق الوقود الثقيل، الذي يتمثل بالنفط العالي الكبريت، نتيجة استخدام هذا النوع من الوقود في مصفى الدورة والمحطات الكهربائية، بالإضافة إلى معامل الإسفلت والطابوق، والتي يبلغ عددها 250 معملًا، وكذلك بعض معامل صهر النحاس. كما أن احتراق النفايات في منطقة النهروان ومعسكر الرشيد يساهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة.

في 17 تشرين الأول 2024، أصدرت الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزلي بيانًا حذرت فيه من هطول أمطار حمضية مع بدء الموسم المطري، وذلك بسبب ارتفاع معدلات التلوث البيئي، خاصة في بغداد والمناطق المحيطة بها والمدن المجاورة، وأكدت الهيئة أن مستويات التلوث في العاصمة وصلت إلى "مستويات خطيرة" تجاوزت 200 وحدة على مقياس جودة الهواء (AQI)، وأشارت إلى أن ارتفاع تركيز المركبات الكيميائية الناتجة عن الأنشطة الصناعية، وحرق الوقود الأحفوري، والتخلص من النفايات يحمل تداعيات خطيرة، حيث قد تكون آثارها مدمرة حال تفاعلها مع الأمطار.

على مدار السنوات الماضية، تشير التقارير الدولية إلى تقرير مركز دراسات الحرب في نيويورك الصادر عام 2010، إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعا من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعا مختلفا من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض، وتقرير وكالة حماية البيئة الأميركية عام 2011 الذي أشار لارتفاع تركيز الملوثات بأجواء العراق كالمواد المتطايرة PM2.5 والتي وصلت إلى ما يقارب 39.6 ميكروغرام / متر مكعب في إشارة لارتفاع كبير وخطير بنسب هذه الملوثات، في وقت توصي فيه منظمة الصحة العالمية بأن لا يتجاوز متوسط تركيزات PM2.5 الـ 5 ميكروغرام/متر مكعب، وهو ما قاد لرداءة الهواء وارتفاع حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي.

الآثار البيئية للهواء الملوث على الصحة العامة

بحسب منظمة الصحة العالمية ان تلوّث الهواء المحيط الخارجي في المدن والمناطق الريفية على حد سواء يتسبب في تكوين جسيمات دقيقة تسبّب الإصابة بالسكتات الدماغية أمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفّسي الحادة والمزمنة.

وفقًا لموقع Sigma Earth ،يُعتبر الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل من الفئات الأكثر عرضة للأمراض الناجمة عن تلوث الهواء، كما تلعب العوامل الغذائية والوراثية والاجتماعية والديموغرافية دورًا في زيادة أو تقليل خطر تعرض الأفراد لمثل هذه الأمراض.

تُعتبر العديد من السموم ذات تأثيرات سلبية خطيرة على صحة الإنسان، ولكن أكثر الملوثات التي تثير القلق وتأثيرها كبير على الصحة العامة تشمل أول أكسيد الكربون (CO)،وثاني أكسيد الكبريت (SO2)،وثاني أكسيد النيتروجين (NO2)،والأوزون (O3)،والمواد الجسيمية (PM)،وتختلف هذه الملوثات من حيث مستوياتها ومدد التعرض التي تُعتبر "آمنة". يُزيد التعرض المستمر للجسيمات من خطر الإصابة بأمراض غير معدية مثل السرطان، وأمراض الرئة، وأمراض القلب، والسكتات الدماغية.

البيانات والاحصاءات

في تشرين الأول لسنة 2024، احتلت بغداد المرتبة الأولى في تصنيف IQAir المباشر للمدن ذات أسوأ جودة هواء في العالم، وبعدها بأيام قليلة، جاءت في المركز الرابع بعد لاهور ودكا وكينشاسا.

وأظهرت البيانات المجمعة من جهاز مراقبة جودة الهواء في السفارة الأميركية بتأريخ 14 تشرين الأول أن تركيزات PM2.5 بلغت 237 ميكروجرام/متر مكعب، وهو مستوى قد يسبب مشاكل صحية خطيرة.

تشير الاختبارات العلمية التي أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إلى ارتفاع مستويات المواد الكيميائية المسببة للسرطان في المجتمعات المحيطة بحقول النفط في العراق.

ويأتي العراق في المرتبة الثانية عالميًا من حيث إحراق الغاز، وهو إجراء ضار يتمثل في حرق الغاز الفائض الناتج عن إنتاج النفط، والذي تقوم به الشركات المتعاقدة لإدارة هذه الحقول، بما في ذلك شركة بي بي.

الحلول المقترحة

  1. ترتبط سياقات التخفيف والتكيف مع التغير المناخي عضويا بمكافحة تلوث الهواء فأحدهما يكمل الآخر ومن هنا تأتي أهمية التنسيق بين الإجراءات على صعيد الاستراتيجيات والخطوات التنفيذية.
  2. تحديث البنية التشريعية للحد من تلوث الهواء (رقم 4 لعام 2012 ورقم 2 لعام 2012) عبر تشريع قانون خاص بنقاوة الهواء يتناول في ديباجته مسببات تشريع القانون وارتباطه بصحة المواطن العراقي والاستدامة الاقتصادية واستجابة لمتطلبات العدالة البيئية كأحد حقوق الإنسان العراقي التي نص عليها الدستور كما يحوي صياغات قانونية لمفهوم محددات نوعية الهواء والمسؤولية القانونية للقطاعات الحكومية والوزارات والحكومات المحلية والقطاع الخاص في حماية الهواء من التلوث ومبدأ التقييم البيئي مع منظومة من الإجراءات العقابية المتدرجة للمخالفين والمتجاوزين. ويمكن الاستفادة من تجارب بعض البلدان بهذا الخصوص مع استعدادنا لتحديث الدراسة التي قدمتها قبل بضع سنوات.
  3. العمل من أجل توفير محددات وطنية لمواصفات نوعية الهواء تعتمد الأدلة البحثية العلمية وتكون إحدى أدوات إدارة الحد من تدهور نوعية الهواء.
  4. تحديث وزيادة وتوسيع أنظمة رصد نوعية الهواء موزعة بعناية في بغداد وعموم المحافظات وبضمنها إقليم كردستان قادرة على قياس الجسيمات الدقيقة والملوثات الكيميائية وبضمنها الغازات والمعادن كالرصاص على شكل محطات رصد ولوحات تعرض مؤشر جودة الهواء في الطرق والبؤر الساخنة التي تسجل تلوثاً عالياً وكاميرات مراقبة على مصادر انبعاثات للأنشطة الصناعية وإخضاعها للمساءلة القانونية في حالة التجاوز . وتتم الاستفادة من البيانات حول مصادر ومستوى التلوث لمعرفة وتحديد اتجاهات التلوث المستقبلية عبر الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي (لتحديد الاتجاهات العامة للتلوث والبؤر الساخنة) بالتعاون مع الشركاء الدوليين ومع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في دعم إقامة مراكز أكاديمية بحثية عن جودة الهواء ولإعداد وتدريب كوادر مهنية وتقنية لضمان إدامة وصيانة محطات المراقبة.
  5. إيجاد نقلة نوعية في تطبيق سياقات التقييم البيئي ليشمل المشاريع وتفعيل المنصة الإلكترونية وأتمتة عملية إصدار الموافقة وصولا إلى إقامة مركز وطني للرقابة بما يعزز الأداء الأفضل للمراقبة والحوكمة ومتابعة الإجراءات المترتبة على التقييم البيئي العائد للمشروع المعين وتدريب كادر متخصص تقني في التقييم البيئي والاجتماعي والتي يمكن أن تكون مجالا للاستثمار من قبل القطاع الخاص.
  6. تعمل التوعية البيئية على تعميم المعارف البيئية في أوساط شرائح المجتمع عبر رسائل ملائمة من خلال الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمنشورات والملصقات والندوات والمؤتمرات لتحفيز المتلقين للمساهمة والمشاركة الفردية والمجتمعية في الحد من تلوث الهواء كونها مسؤولية الجميع وبضمنها حملات تشمل المدارس والأسر العراقية خاصة في السابع من أيلول في كل عام.
  7. أن تتضمن المناهج الدراسية في كليات الطب والتمريض خاصة في برامج الوقاية الصحية إحاطة حول علاقة التلوث البيئي بالصحة العامة وخاصة الهواء والماء.
  8. الإعداد والمشاركة في المؤتمر العالمي الثاني حول تلوث الهواء والصحة والذي سيعقد في كارتاخينا، كولومبيا، في آذار 2025 بدعوة من منظمة الصحة العالمية إلى الحكومات لتقديم التزامات وطنية محددة حول الحد من تلوث الهواء.