اللسان الملحي يهدد البصرة الفيحاء.. ما أسبابه وكيف يمكن الحد من تأثيره؟

هناك في أقصى جنوب العراق حيث محافظة البصرة التي تُعد عاصمة العراق الاقتصادية ومنفذه البحري الرئيسي المطل على الخليج العربي يواجه سكان البصرة خطرا بيئيا يتمثل في ارتفاع اللسان الملحي في مياه شط العرب، فضلا عن معاناتهم من ارتفاع درجات الحرارة التي تبلغ أحيانا 51 إلى 53 درجة مئوية مصحوبة برطوبة عالية مع تذبذب في التيار الكهربائي.

حيث وصلت نسب الملوحة مؤخراً الى مستوى مرتفع في بعض مناطق محافظة البصرة متجاوزة المواصفات المسموح بها لمياه الاستخدام أو مياه الشرب، حيث بلغت نسبة الملوحة في الفاو 30 ألف جزء بالمليون و19 ألف جزء بالمليون في مركز مدينة البصرة و 5800-6000 جزء بالمليون في شمال الهارثة، في حين أنه يجب أن لا تتعدى الملوحة 1000 جزء بالمليون وفق المعايير العالمية بحسب ما ذكره (ميثم جار الله) معاون مدير بلدية البصرة.

في حين كشف الخبير البيئي (شكري الحسن) في حديث لـوكالة (بغداد اليوم) بتاريخ 26  حزيران 2022، أن:

"نسبة ملوحة مياه شط العرب تتجاوز الـ5500 TDS في وقت ان النسبة الطبيعية لملوحة المياه في العراق يجب ان تكون 1000 ‏TDS".

أن خطر تمدد اللسان الملحي ليس حديثاً على مياه البصرة كما ان هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها البصرة خطر تصاعده وارتفاع نسب التراكيز الملحية الآتية من الخليج العربي والتي هي عبارة عن مركبات ملحية مثل كلوريد المغنيسيوم والصوديوم والكالسيوم، فقد شهدت خلال السنوات القليلة الماضية تكرار هذه الحالة، خاصة في عام 2018، حينها غصت مستشفيات البصرة بحالات التسمم، نتيجة تلوث المياه، وأدى ذلك إلى نزوح مئات الأسر من بلدات ومناطق المحافظة، وهو الأمر الذي يخشى الكثيرون تكراره الآن.

وهو ما حذر منه عضو مفوضية حقوق الإنسان (فاضل الغراوي) خلال حديثه لوكالة (شفق نيوز) بتاريخ 22 حزيران 2022، قائلاً:

"إن محافظة البصرة تعاني ارتفاعاً حاداً في مستوى الاملاح بعد وصول تأثير اللسان الملحي إلى أعلى مستوياته"، مشيراً إلى أن "ذلك يشكل تهديداً على حياة المواطنين وصحتهم بشكل مباشر".

وفي حديثه عن أسباب زيادة ملوحة المياه أوضح الغراوي أن:

"انخفاض مناسيب الأنهار وقلة الأمطار والتدفقات المائية من دول الجوار إضافة إلى الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة كانت هي السبب الأساسي بارتفاع نسبة الملوحة في محافظة البصرة".

وعليه فأن قلة المستويات في مياه شط العرب تؤدي إلى أن تكون مياه البحر أعلى مستوى فيتقدم اللسان الملحي من البحر باتجاه شمال البصرة عكسياً.

من جانبه أوضح مستشار وزير الموارد المائية (عون ذياب) لموقع (السومرية نيوز) بتاريخ 22 حزيران 2022، أن:

"المد العالي والرياح الجنوبية الشرقية خلال هذه الفترة، وإغلاق نهر الكارون بالكامل أسهم في زيادة اللسان الملحي".

وهو ما أكده مستشار وزارة الموارد المائية (ظافر عبدالله) مضيفاً إن:

"توجيه الملوثات باتجاه شط العرب من الجانبين العراقي والإيراني وهذا ما زاد من تفاقم المشكلة".

وبالتالي تظافرت هذه المسببات والتي بضمنها التغيرات المناخية المتمثلة بقلة الأمطار لاسيما خلال فصل الشتاء الماضي التي أدت إلى عدم توفر مخزون مائي كافي وعدم رفد المسطحات بمياه كافية لسد حاجتها كذلك الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة التي تعمل على زيادة تبخر المياه أصبحت جميعها تدق ناقوس الخطر مهددةً بكارثة بيئية وحياتية تؤثر على حياة السكان بشكل عام من خلال مياه الشرب، والزراعة ولاسيما زراعة النخيل حيث أشار مدير الجمعيات الفلاحية في البصرة (عبد الكاظم حسن) خلال حديث لـ"العالم الجديد" بتاريخ 6 آب 2022، الى أن:

"اللسان الملحي أدى إلى خروج قضاء أبي الخصيب والفاو من الخدمة، حيث أن الفاو كانت تقدم شتى أنواع الأشجار وأبو الخصيب الذي ينتج التمور بغزارة ومنها البرحي، كلها أصبحت خارج الخدمة"، وحتى الثروة الحيوانية حيث "أدى ارتفاع الملوحة إلى حدوث تراجع كبير جدا بكميات الثروة السمكية في البصرة نتيجة لفقدان أنواع عديدة من الأسماك، لاسيما التي تشهد إقبالا واسعا من قبل المواطنين لشرائها، إذ أن أسماك الكارب اختفت والبني والكطان في طريقهما لذات المصير بسبب شدة ملوحة المياه".

بحسب ما ذكره (شاكر عبد الرزاق) مدير قسم الأسماك في مديرية الزراعة في محافظة البصرة لوكالة الأنباء العراقية.

كما أنه وبحسب ما نقله موقع (درج) عن معاون عميد كلية الزراعة في جامعة البصرة والخبير في التربة والموارد المائية (محسن دشر) الذي قال ان:

"القطاع الصناعي في محافظة البصرة يتأثر وبشكل مباشر في كمية إنتاجه أو توقفه في حالة ارتفاع التراكيز الملحية إلى درجات عالية”.

ويعود سبب ذلك برأيه إلى أن:

"معامل الأسمدة والبتروكيماويات إضافة إلى الحقول النفطية تحتاج إلى المياه العذبة في عملية التبريد المستمر للعملية الإنتاجية، وهو ما يجعلها أمام خطر توقفها أيّام ارتفاع اللسان الملحي في شط العرب".

أما بشأن الحلول المطروحة لمواجهة تمدد اللسان الملحي والحد من تأثيره فمن الأكيد هي معالجة المسببات له والمتمثلة بزيادة الاطلاقات المائية الواصلة لشط العرب من نهري دجلة والفرات وذلك عبر العمل تكثيف الجهود الدبلوماسية مع دول الجوار الإقليمي (المتمثلة بتركيا وإيران) لزيادة الاطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات حسب ما دعا له الغراوي الذي طالب ايضاً بزيادة الاطلاقات المائية عن طريق قناة البدعة، ومفاتحة الجانب الإيراني بفتح نهر الكارون ليسهم في دفع اللسان الملحي وخاصة في أشهر الصيف الذي سبق ان دعا له مدير ناحية السيبة جنوب محافظة البصرة (أحمد هلال) العام الماضي.

هذا ووصف النائب عن محافظة البصرة (أحمد الربيعي) الحلول الموضوعة لمواجهة ارتفاع اللسان الملحي في شط العرب بالترقيعيه ولاترتقي لمستوى المشكلة الحقيقية، مشيراً إلى أن:

"هناك مشروع استراتيجي هو تغليف قناة البدعة او تحويلها الى قناة انبوبية".

إلى ذلك، أشار الخبير المائي (عادل المختار) لـ"العالم الجديد" ان: 

"‫الأمر الأهم للمعالجة هو تأسيس المجلس الوطني للزراعة والمياه، يذهب ويتفاوض مع دول الجوار ويحسم الموضوع بإطلاقات مائية، والاستعانة بمجموعة خبراء يخططون للسياسة المائية والزراعية، مشدداً على ضرورة إدخال منظومات الري الحديثة".

فيما أشار قائممقام قضاء شط العرب (حيدر طعمة) لوكالة الأنباء العراقية بتاريخ 30 أيار 2022، إلى:

"عدم وجود حلول سريعة لمشكلة اللسان الملحي وارتفاع نسبة الملوحة، باستثناء ربط مشاريع ماء الإسالة على القناة الاروائية والتي تضمن تأخر ارتفاع نسبة الملوحة، لكنها ليست حلاً للمشكلة"، مقترحاً "إقامة سد لترشيد الكميات المطلقة من ناظم القلعة، وترشيد استهلاك المياه الخاصة بالمزروعات، عن طريق الزراعة الحديثة".

وأعلنت الموارد المائية مؤخراً عن نية تركيا لزيادة اطلاقات نهر دجلة، وقال المتحدث الرسمي للوزارة (علي راضي) لوكالة الأنباء العراقية بتاريخ 4 آب 2022:

"عقد اجتماع عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بين الجانبين العراقي والتركي، تناول العديد من المواضيع التي تخص الأضرار الناتجة عن نقص الإيرادات المائية".

موضحاً، أن:

"حديث السفير التركي علي رضا غوناي تضمن نقاطاً عديدة منها أنه سيتم إرسال وفد إلى العراق للإطلاع على إنشاء السدود والخزين المائي، وأكد نية الجانب التركي زيادة الإطلاقات المائية لنهر دجلة".